اخبار السودان

الخرطوم تُعاد بالسلاح لا بالمؤسسات ؟ هل البرهان أخطأ في قراره – عثمان ميرغني !

أصدر رئيس مجلس السيادة، الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان، قرارًا بتشكيل اللجنة العليا لتهيئة البيئة المناسبة لعودة المواطنين إلى ولاية الخرطوم، برئاسة الفريق أول بحري إبراهيم جابر، وعضوية عدد من أعضاء مجلس السيادة، ورئيس الوزراء الدكتور كامل إدريس، ووزراء الدفاع، والداخلية، والخارجية، والطاقة، والصحة، والتعليم.

لكن النظرة المتأنية لتكوين هذه اللجنة تكشف خللاً واضحًا في الهيكل والصلاحيات، إذ إنها لا تتغول فحسب على اختصاصات الجهاز التنفيذي ممثلًا في رئيس الوزراء ووزرائه، بل تحوّله عمليًا إلى عضو عادي داخل لجنة يترأسها عضو عسكري في مجلس السيادة.

هذا التكوين يثير تساؤلات حول مدى جدية الالتزام بالتحول المدني، ويعزز مخاوف من أن السلطات الفعلية لا تزال محتكرة في يد مجلس السيادة، بما ينزع عن رئيس الوزراء سلطته التنفيذية الحقيقية.

الأمر لا يقف عند حدود الصلاحيات، بل يتعارض بوضوح مع ما أعلنه رئيس الوزراء نفسه، عندما تعهد بتصفية اللجان والمجالس الموازية التي تعطل الأداء المؤسسي وتنتقص من هيبة الدولة.

لكننا أمام لجنة “عليا” تتجاوز كل مستويات الدولة، من المجلس التنفيذي الاتحادي إلى الولاة، وتعيد إنتاج ذات العقلية التي عطّلت بناء الدولة لعقود.

في لحظة تاريخية كهذه، عقب دمار شامل طال البنية التحتية والنسيج الاجتماعي، فإن الفرصة سانحة لوضع رؤية استراتيجية متكاملة لإعادة بناء العاصمة والمدن الكبرى، لا أن يتم اختزال مشروع العودة في لجنة طارئة، منفصلة عن السياق التخطيطي الأشمل للدولة.

لقد أُجيز مخطط هيكلي استراتيجي لولاية الخرطوم على مدى 25 عامًا، وضعه بيت خبرة إيطالي بالشراكة مع وزارة التخطيط العمراني، ويشمل إنشاء مدن جديدة وطرق وجسور وأسواق وفق معايير دقيقة.

كان الأجدر أن يتم دمج ملف العودة ضمن هذا الإطار الاستراتيجي، لا أن يتم تشكيل لجنة فوقية تتعامل مع الخرطوم وكأنها مجرد مساحة لإعادة التوطين، لا مشروعًا لبناء عاصمة حديثة تنطلق منها شرارة سودان المستقبل.

إن الحرب، رغم مآسيها، منحت البلاد فرصة نادرة للانطلاق من الصفر نحو دولة مدنية حديثة، برؤية عمرانية وتنموية تتجاوز الخراب.

لكن قرارات ارتجالية من هذا النوع قد تجهض هذه الفرصة التاريخية، وتعيد إنتاج المركزية والازدواجية التي أفضت إلى الانهيار أصلًا.

فهل نضيّع فرصة الأمل مجددًا، أم نمسك بها لبناء وطن يليق بتضحيات أهله؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى