اخبار السودان

“مطار الخرطوم الجديد.. بين تعثر الماضي وإمكانات المستقبل”

منذ مطلع الألفية الجديدة، ظل مشروع مطار الخرطوم الجديد يُمثّل حلماً وطنياً ومطلباً استراتيجياً لبلد يفتقر إلى بنية تحتية جوية تواكب تطلعاته وموقعه الجغرافي المحوري. ورغم تعاقب الحكومات وتوفر التمويل والدعم المعلن، إلا أن المشروع لا يزال قابعًا في ملفات التأجيل والإخفاق بعد أكثر من عشرين عاماً، دون أن يرى النور.

أولاً: إخفاق حكومي مزمن.. الأسباب العميقة

1. غياب الإرادة السياسية:

لم تتوفر الإرادة الجادة لإنجاز المشروع، واستخدمت الحكومات المتعاقبة ملفه كورقة دعائية في مناسبات سياسية، دون التزام فعلي بإنجازه.

2. الفساد المالي والإداري:

رغم توقيع العقود وتدفق التمويل، لم يشهد المشروع تقدمًا حقيقيًا. غابت المساءلة، وفُقدت مبالغ ضخمة دون مقابل واضح على الأرض.

3. ضعف الكفاءة المؤسسية:

أظهرت الدولة فشلاً في إدارة مشروع بهذا الحجم، فغياب التخطيط المتكامل أدى إلى تأخير مزمن وقرارات مرتجلة.

4. التقلبات السياسية والعزلة الدولية:

تبدلت علاقات السودان مع داعمي المشروع (مثل الصين وتركيا) بفعل العقوبات والعزلة، ما أثر سلبًا على استمرارية الدعم الفني والمالي.

ثانيًا: تجربة China Harbour.. تمويل مهدور

في 2012، وقّعت الحكومة عقدًا مع شركة China Harbour Engineering Company لإنشاء مطار بمنطقة صالحة جنوب أم درمان، بتمويل صيني قدره 700 مليون دولار.

إيجابيات الاتفاق:

تمويل ميسر وطويل الأجل.

خبرة دولية واسعة للشركة.

وضع حجر الأساس وسط احتفاء رسمي واسع.

لكن الواقع كان مختلفًا:

لم تُنفذ أي أعمال سوى تسوير رمزي.

لم تُخلَ الأرض من الموانع القانونية والسكانية.

ظهرت شبهات بتحويل التمويل إلى مجالات أخرى.

لم تُنفذ الحكومة التزاماتها بتهيئة البنية التحتية المكملة.

الشروط الجزائية:

تضمن العقد بنودًا عقابية للطرفين، لكن الصين لم تُفعّلها لتفادي التصعيد، بينما تحمّل السودان ديونًا دون مقابل فعلي.

ثالثًا: عقد شركة سوما التركية.. غموض وتجميد

في 2018، لجأت الحكومة إلى شركة SOMA التركية عبر نظام BOT (بناء – تشغيل – تحويل)، لكن التعاقد شابه الكثير من الغموض:

توقيع دون عطاء عالمي أو رقابة تشريعية.

غياب ضمانات مالية وخطط تنفيذ واضحة.

اعتراض وزارة العدل على بنود تفتقر للشفافية.

لم يُصدر إشعار الشروع في التنفيذ رسميًا.

تحكيم دولي؟

لم تلجأ الشركة للتحكيم، كما لم يُسجل أي نزاع دولي، ما جنّب السودان تبعات قانونية، لكنه أبقى المشروع في “غرفة الإنعاش”

خاتمة: هل من أمل لإحياء الحلم؟

رغم تعثر الماضي، لا يزال المشروع قابلاً للإنقاذ إذا توفرت الإرادة والرؤية. ولتحقيق ذلك، يجب:

1. تسوية العقود السابقة قانونيًا مع China Harbour وSOMA.

2. إعداد دراسة جدوى مستقلة بشفافية.

3. طرح مناقصة دولية وفق معايير النزاهة.

4. إصلاح قطاع الطيران المدني وتحصينه من التسييس.

5. الاستعانة بالكفاءات السودانية في الداخل والخارج.

مطار الخرطوم الجديد ليس مجرد مبنى.. بل اختبار حقيقي لقدرة الدولة على النهوض والوفاء بوعودها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى