شهدت زيارة عبد الله حمدوك، رئيس الوزراء السوداني السابق ورئيس تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية (تقدّم)، إلى أوروبا، التي امتدت من أواخر أكتوبر وحتى نهاية الأسبوع الأول من نوفمبر الحالي، تحولاً لافتاً في التعاطي الدولي مع أزمة الحرب في السودان. استهل حمدوك زيارته بلندن، ثم انتقل إلى بروكسل، مقر الاتحاد الأوروبي، حيث كانت الزيارة أشبه بإلقاء حجر في بركة راكدة، إذ أثارت حراكاً ملحوظاً حول قضية الحرب في السودان التي ظلت مهملة دولياً لفترة طويلة. وها هي الآن تتصدر الأجندة الدولية، لتصبح المحور الأبرز في اجتماع مجلس الأمن المقرر غداً، الاثنين 18 نوفمبر.
🔺زيارة وفد تقدم إلى بريطانيا:
تزامنت زيارة وفد تقدم برئاسة عبد الله حمدوك إلى بريطانيا مع توليها رئاسة مجلس الأمن الدولي، حيث عقد ووفده المرافق له سلسلة اجتماعات هامة مع شخصيات بارزة في السياسة البريطانية. شملت اللقاءات أعضاء من مجلسي العموم واللوردات، يمثلون أحزاب العمال والمحافظين والليبراليين الديمقراطيين، بالإضافة إلى رئيسة لجنة العلاقات الخارجية في مجلس العموم، ونائب رئيس مجلس اللوردات، ووزير أفريقيا في الحكومة البريطانية الحالية. كما التقى الوفد بعدد من الفاعلين السياسيين والنشطاء وممثلي الروابط والجاليات السودانية في المملكة المتحدة.
خلال الاجتماعات، قدّم وفد “تقدّم” عرضاً تفصيلياً حول تطورات الحرب في السودان، مسلطاً الضوء على خطورة الأوضاع الإنسانية والانتهاكات الجسيمة التي يتعرض لها المدنيون.
وأفادت مصادرنا أن حمدوك عقد اجتماعاً منفرداً مطولاً مع شخصية بريطانية بارزة تُعد من صناع القرار الرئيسيين في الحكومة البريطانية الحالية. واستمر اللقاء عدة ساعات، ناقش فيه حمدوك الأوضاع الراهنة في السودان، وطرح رؤية متكاملة للخطوات التي ينبغي على المجتمع الدولي اتخاذها لوقف الحرب وإعادة الاستقرار للبلاد.
🔺 مؤتمرات بروكسل:
وصل عبد الله حمدوك إلى العاصمة البلجيكية بروكسل للمشاركة في مؤتمرين عقدا في الفترة من 3 إلى 6 نوفمبر الجاري، بمشاركة عدد من الرؤساء الأفارقة والأوروبيين السابقين، إضافة إلى قيادة الاتحاد الأوروبي ومنظمات إقليمية ودولية.
ألقى حمدوك كلمة مهمة حذّر فيها من الانهيار الكامل للدولة السودانية، مشيراً إلى خطر انزلاق البلاد إلى وضع أسوأ مما حدث في رواندا خلال الإبادة الجماعية عام 1994. كما نبّه إلى تداعيات تمزق السودان إلى كيانات متعددة قد تصبح ملاذاً لجماعات التطرف والإرهاب.
ركز حمدوك في كلمته على مخاطر تفشي ظاهرة تعدد الجيوش وأمراء الحرب، إلى جانب تحشيد وتجنيد المدنيين وتصاعد خطاب الكراهية والانقسام العرقي والجهوي. كما وجّه تحذيراً للعالم، وخاصة أوروبا، من مغبة الصمت حيال الأزمة السودانية، مشيراً إلى أنه إذا استمرت الأوضاع على ما هي عليه، قد يشهد العالم أكبر أزمة لجوء في تاريخه. وقال: “على أوروبا أن تستعد لاستقبال الملايين الذين سيطرقون أبوابها عبر البحر الأبيض المتوسط.”
خلال زيارته، عقد حمدوك سلسلة لقاءات مع عدد من الرؤساء والوزراء الأوروبيين وممثلي المنظمات الدولية. وكان من أبرز لقاءاته اجتماعه مع جوزيب بوريل، الممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية، حيث ناقش معه السبل الممكنة لوقف الحرب في السودان ومعالجة الوضع الإنساني المتدهور.
🔺تصريحات دولية بعد زيارة حمدوك:
بعد يوم من زيارة عبد الله حمدوك، أدلى وزير الخارجية البريطاني ديفيد لامي بتصريح قال فيه: “لقد تولينا للتو رئاسة مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، وأعتزم جعل السودان أولويتي خلال هذا الشهر.”
وأضاف أنه سيزور نيويورك الأسبوع المقبل لطرح القضايا الإنسانية المتعلقة بالسودان ومناقشة السبل الممكنة للوصول إلى حل سلمي ينهي الحرب المستمرة والكارثة الإنسانية المتفاقمة هناك. وأردف قائلاً: “كان من دواعي القلق الكبير أن السودان لم يُحظَ بالاهتمام الدولي الذي يستحقه، على الرغم من أن الخسائر البشرية هناك تفوق تلك الناتجة عن العديد من الصراعات الأخرى حول العالم.”
في السياق ذاته، صدرت تصريحات مشابهة عن فرنسا، العضو الدائم في مجلس الأمن الدولي، شددت فيها على ضرورة أن يتعامل المجتمع الدولي بجدية مع الحرب الدائرة في السودان. وأكدت فرنسا أهمية تكثيف الجهود الدولية لوقف الحرب وتداعياتها، واصفة الأزمة الإنسانية هناك بـ”الفظيعة”.
🔺مشروع قرار بريطاني لإنقاذ السودان أمام مجلس الأمن:
أوفى وزير الخارجية البريطاني بوعده بجعل قضية السودان أولوية خلال فترة رئاسة بلاده الدورية لمجلس الأمن الدولي. إذ من المقرر أن يصوت أعضاء المجلس غداً الاثنين على مشروع قرار صاغته بريطانيا، يدعو طرفي الصراع في السودان، الجيش وقوات الدعم السريع، إلى وقف الأعمال القتالية فوراً، وفتح جميع المنافذ والمعابر لتيسير تسليم المساعدات الإنسانية بشكل آمن وسريع دون أي عوائق.
ولإقرار المشروع البريطاني كقرار دولي ملزم، يتطلب الحصول على موافقة 9 أصوات من أصل 15، يمثلون كامل أعضاء مجلس الأمن، مع عدم استخدام حق النقض (الفيتو) من قِبل أي من الدول دائمة العضوية في المجلس، وهي: الولايات المتحدة، بريطانيا، فرنسا، روسيا، والصين.
🔺الخاتمة:
شكلت زيارة وفد تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية (تقدّم) برئاسة الدكتور عبد الله حمدوك الأخيرة إلى أوروبا، بما تخللها من اجتماعات ومؤتمرات، نقطة تحول بارزة في التعاطي الإيجابي للمجتمع الدولي مع الحرب في السودان. وبينما كانت القضية السودانية تُعتبر مهملة على الساحة الدولية، فإن الحراك الدبلوماسي الذي قادته (تقدّم) ورئيسها في كل من لندن وبروكسل قد وضع السودان في قلب الاهتمام الدولي.
الآن، مع انعقاد جلسة مجلس الأمن الدولي غداً الاثنين 18 نوفمبر، يبدو أن هذه الجهود قد بدأت تثمر، حيث أصبح الملف السوداني على أعتاب تحرك ملحوظ يمكن أن يسهم في إنقاذ أرواح المدنيين ووقف الحرب، وهو ما يعكس الأثر الواضح للتحركات الدبلوماسية الأخيرة في تغيير مسار الأزمة.