سياسة
أخر الأخبار

ما يحدث في الخرطوم انتصار ام انسحاب منظم باتفاق غير معلن؟

ما يحدث في الخرطوم انتصار ام انسحاب منظم باتفاق غير معلن؟

 

 

 

دخلت الحرب في السودان مرحلة جديدة، حيث تمكن الجيش السوداني من تحقيق انتصارات ملحوظة وسريعة في وسط البلاد. في الوقت نفسه، شهدت قوات الدعم السريع تراجعاً ملحوظاً، بدأ بانسحابها من مدينة ود مدني، وتواصلت هذه الانسحابات لتشمل عمليات العاصمة الخرطوم، حيث استعاد الجيش السيطرة على مقر قيادته العامة ومناطق استراتيجية أخرى، خاصة في أم درمان والخرطوم بحري.

 

أثارت هذه الانسحابات السريعة لقوات الدعم السريع العديد من التساؤلات حول مستقبل الصراع. هل تعكس هذه التحركات بداية انهيار فعلي لقوات الدعم السريع، أم أنها نتيجة لاتفاق غير معلن يهدف إلى تحسين موقف الجيش في أي مفاوضات قادمة؟ هناك أيضاً تساؤلات حول ما إذا كانت قيادة الدعم السريع قد اختارت التراجع بشكل تكتيكي لتقليل خسائرها، خاصة في ظل تعزيز الجيش لقواته وتجديد تسليحه.

 

في ظل هذه التطورات، يبدو أن الصراع في السودان قد دخل مرحلة جديدة من التعقيد، حيث تتزايد الضغوط على قوات الدعم السريع. بينما يسعى الجيش السوداني لاستغلال هذه الفرصة لتعزيز موقفه، يبقى المشهد السياسي والعسكري في البلاد غير مستقر، مما يفتح المجال أمام احتمالات متعددة حول كيفية تطور الأحداث في الأيام المقبلة.

 

بدأت عمليات الجيش لاستعادة مناطق استراتيجية وسط البلاد من خلال استرداد منطقة جبل موية التي تؤثر على ثلاث ولايات: النيل الأبيض وسنار والجزيرة، في أكتوبر الماضي. وبعدها جمع الجيش قوته مع حلفائه ووجهها نحو مدينة ود مدني، واستعادها في 11 يناير الحالي “دون قتال يُذكر”، حيث أكدت “قوات الدعم السريع” أنها “انسحبت”، بينما صرح الجيش بأنه دخل المدينة “عنوة”، بعد أكثر من عام من السيطرة عليها من قبل “الدعم” بدون أي مقاومة.

 

وأتاحت عملية استعادة ود مدني انطلاق عمليات الخرطوم بحري، ووصول قوات أم درمان وشمال الخرطوم بحري إلى قيادة قوات سلاح الإشارة والقيادة العامة التي كانت محاصرة من قبل “الدعم السريع” منذ بدء النزاع.

 

بدأت العملية في 26 سبتمبر الماضي عندما عبرت القوات القادمة من أم درمان جسر الحلفايا، واستمرت في التقدم شمالاً وجنوباً ببطء، لكنها كثفت وتحركت بسرعة بعد استرداد مدينة ود مدني. وقد تفاجأ الناس يوم السبت الماضي بإعلان الجيش عبور جسر النيل الأزرق ووصوله إلى مقر “القيادة العامة”، حيث خاطب القائد العام للجيش، الفريق أول عبد الفتاح البرهان، جنوده “المحاصرين” داخل “القيادة العامة”، معلناً فك الحصار، وقرب “التحرير” للخرطوم من قبضة “الدعم السريع”.

 

نشر الجيش مقاطع فيديو من داخل “القيادة العامة” و”قيادة قوات سلاح الإشارة”، لكن “قوات الدعم” نفت بشدة “فك الحصار” عن “القيادة العامة”، واعتبرت فيديوهات الجيش دعاية حربية، مشددة على أن قوات محدودة “تسللت”، وأنه لم يحدث أي “التحام” بين الجيوش. كما نشرت مقاطع فيديو يوم الاثنين من على جسر “المك نمر” باتجاه الخرطوم، ومن جسر “كوبر” نحو الخرطوم بحري، ومن جسر “توتي” قرب النيل الأزرق، مؤكدة أنها لا تزال تحتفظ بمواقعها، وأن “إمداداً” كبيراً وصل إليها لتعزيز الحصار على المناطق المذكورة.

 

كما تداولت وسائل التواصل الاجتماعي الموالية للجيش تقارير عن انسحابات واسعة لـ”قوات الدعم” من مناطق جديدة في الخرطوم وتقدم ملحوظ للجيش، وهو ما تنفيه “قوات الدعم” بشدة، بينما تتضارب المعلومات الواردة من الجانبين بشأن الأوضاع الميدانية والعسكرية في الخرطوم.

 

وفي تحليله للأوضاع بعد دخول الجيش مقر القيادة العامة، نفى اللواء المتقاعد كمال إسماعيل فكرة “انهيار الدعم السريع”، واعتبر، في حديث لـ”الشرق الأوسط”، أن الأمر مجرد “عمليات كرّ وفرّ”، وأضاف: “سيطرة أي من الطرفين ستكون مؤقتة، والحرب لن تتوقف ما دامت هناك بندقية واحدة مرفوعة”.

أكد اللواء إسماعيل أن الحرب لن تتوقف إلا من خلال “التفاوض” الذي يؤدي إلى وقف إطلاق النار وفصل القوات. وأضاف أن “السلاح منتشر في جميع أنحاء البلاد بيد الأفراد والميليشيات، ومع وجود مجموعات تسعى للانتقام من قوى (ثورة ديسمبر/ كانون الأول)، لن تنتهي الحرب”. وتابع بأن وجود السلاح بيد الناس بطريقة غير شرعية ووجود نوايا انتقامية تعيق عودة الناس إلى مناطقهم، لذا فإن الحرب لن تنتهي إلا بإرادة قوية وليس بتمنيات.

 

ودعا اللواء المتقاعد طرفَي النزاع إلى استئناف المفاوضات “والذهاب إلى جدة (في السعودية) لمناقشة القضايا الناجمة عن الحرب”. كما دعا القوى المدنية والسياسية إلى الاجتماع لوقف “الانقسام الوطني الذي تعاني منه البلاد ويهدد وجودها”، وأضاف: “إذا لم تتوحد القوى السياسية، فلن يتحقق السلام”.

 

وأشار إلى أن تراجع “الدعم السريع” يعود إلى ما أسماه “إنهاك طرفي الحرب”، مشيراً إلى أن النتيجة كانت “عمليات الكرّ والفرّ” الموضحة سابقاً. وأضاف: “حتى لو استعاد الجيش والميليشيات الموالية له الخرطوم، فهذا لا يعني تحقيق السلام، فالحرب قد تستمر لأكثر من 20 عاماً ولا يمكن حسمها عسكرياً”.

 

واستبعد المحلل السياسي محمد لطيف فكرة “انهيار (قوات الدعم السريع)”، حيث قال لـ”الشرق الأوسط”: “الوصف الدقيق هو أن هناك تراجعاً عسكرياً لـ(الدعم السريع)، لكن الحديث عن انهياره ليس دقيقاً، فهو لا يزال منتشراً في مناطق واسعة من السودان. لذلك، يصعب القول بوجود بداية للانهيار”.

 

وفي إطار الاحتمالات التي طرحها لطيف لتفسير الوضع، أشار إلى “أحاديث متداولة عن انسحابات متفق عليها بين الطرفين… والتغييرات السريعة في السيطرة دون مواجهات عسكرية تدعم فرضية الاتفاق”.

وطلب لطيف أن تكون “انسحابات (الدعم السريع) منظمة” دون أن تتعرض لمطاردات أو ملاحقات، مما يعزز فرضية “الاتفاق غير المعلن”. كما أضاف: “كذلك غابت الحملات الإعلامية المعتادة في حال سيطرة طرف على مناطق جديدة، مما يقلل من فرضية الضعف العسكري لـ(الدعم السريع) أو تفوق الجيش”.

 

وتوقع لطيف أن تكون “انسحابات (الدعم) تكتيكية يسعى من خلالها إلى إعادة تموضعه في مناطق معينة تكفيه من مخاطر الانتشار الواسع وتحمل المسؤولية المرتبطة بقدراته وحركته”.

 

 

 

المصدر: وكالات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى